الــتــوقـيـتُ الـــغــــــــروبـي

قسم العرب يومهم الغروبي إلى اثنتي عشرة ساعة للَّيل ومثلها للنهار ، وقسموا الساعة الواحدة إلى خمس عشرة درجة وقسموا الدرجة إلى أربع دقائق ، وهذه هي الساعة الزمانية ، ولا يزال المسلمون يستعملون هذا التوقيت لضبط أوقات الصلاة والصيام ، وكان في الجامع الأموي بدمشق مزولة معروفة عند الباب الشمالي ، باب الناطفانيين ، يضبطونها على الزوال كل يوم حتى يتم الغروب على الساعة الثانية تماماً في جميع فصول السنة .

وعندما زار ابنُ جبير دمشق سنة 580ﻫ/سنة 1184م ، وجد في الباب الشرقي للجامع الأموي ساعة كبيرةً فيها طيقانُ صفر قد فُتحت أبواباً صغاراً على عدد ساعات النهار ، وعند انقضاء ساعةٍ تسقط صنجتان من الصفر على طاستين فيسمع لهما دويٌ ، ويغلق الباب الذي هو لتلك الساعة للحين بلوحٍ من الصفر ، ولا يزال الأمر كذلك حتى انقضاء ساعات النهار ، أما في الليل فثمة قوس فيه اثنتا عشرة طاقةً على كل منها لوح من زجاج أحمر وخلفه مصباح ، فعند انقضاء ساعة يُنير المصباح خلف الزجاج فيتوهج ويعرف بذلك كم قد مضى من ساعات الليل ، كلّ ذلك بطريقة آلية صرفة (1) .

وكما هو واضح فإن التوقيت الغروبي يختلف من مدينة إلى أخرى .

ومن الأمور اللافتة للنظر في هذا التوقيت أن المدَّة الفعليَّة للساعة تختلف فيه من يوم لآخر ويبلغ هذا الاختلاف ذروته بين بداية فصل الشتاء وبداية فصل الصيف .

وعلى سبيل المثال فإن أطول ليلةٍ في مدينة دمشق في العام كله هي ليلة الرابع من شهر كانون الأول/ديسمبر والليالي التي تعقبها ، ففيها تغرب الشمس في الساعة الرابعة والدقيقة الثانية والثلاثين ، وتشرق في السادسة والدقيقة السادسة والعشرين ، أي أن طول الليل نحو أربع عشرة ساعة والنهار عشر ، وبعبارة أخرى فإن القيمة الفعلية لكلٍ من ساعات الليل الاثنتي عشرة هي 70 دقيقة وللنهار 50 دقيقة ، أي أن ساعة الليل في الشتاء تزيد بمقدار عشرين دقيقة عن ساعة النهار ، ويتناقص هذا الفارق حتى يتلاشى في الاعتدالين الربيعي والخريفي ، ثم يزداد طول الساعة في نهار الصيف حتى يصل مداه في حزيران/يونيو ثم تعود الكرَّة من جديد وهكذا .

وعلى هذا فإن القيمة الحقيقية لوحدة الزمن عند العرب وهي « الدرجة » تتراوح بين 3,33 و 4,66 دقيقة من دقائقنا .

ولو نظرنا إلى هذا الوقت مَليّاً لوجدنا أن له فوائد لا تُنكر ، فهو يُطيل ساعات العمل في الصيف مع طول النهار ويُقصِّرها في الشتاء مع قِصَره والعكس في ليل الشتاء ونهاره ، فهو والحالة هذه يُحقق توازناً دقيقاً ومثالياً بين جميع فصول السنة ، لا يحققه التوقيت الزوالي ولا التوقيت الصيفي ولا سواهما ، ومشكلته اليوم هو اختلافه من مدينة لأخرى .

__________________

(1) انظر رحلة ابن جبير/243 وقد نشرت صورة لهذه الساعة « في رحاب دمشق »/217 الذي ألَّفهُ الشيخ محمد دهمان .