الــتــأريـــخ بـحســــــاب الجُــــمَّـــــل

ويُعرف بالتاريخ الشعري ، ومعناه أن تؤرَّخ حادثة ما كتابياً في بيت أو شطر بيت من الشعر اعتماداً على القيمة العددية لكل حرف ، وفقاً لقواعد معروفة .

وقد عَرَف العربُ هذا النوع من التأريخ منذ العصر الجاهلي ، لكنه لم ينتشر على نطاق واسع ويصبح بدعة العصر إلا في العصر العثماني ، وبعد الاستقلال تقلص استعماله واقتصر على الآحاد .

وقد رُتّبت الحروفُ الهجائية في اللغة العربية وفق عدة أشكال ، نكتفي منها الآن بالترتيب الهجائي والأبجدي ، وكثير من الناس يخلطون بينهما .

فالترتيب الهجائي هو الترتيب المعروف الذي نراه في المعاجم والفهارس ، ويدرس في المدارس ، ولا يعنينا أمره اليوم ، وإنما يعنينا الترتيب الأبجدي .

وهذه الأبجدية من ترتيب الساميين وهي : « أبدج هوَّز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ » .

وها هي القيمة العددية لكل حرف منها :

 أ = 1           ب = 2           ج = 3            د = 4            ﻫ = 5            و = 6            ز = 7            ح = 8

ط = 9            ي = 10            ك = 20            ل = 30            م = 40            ن = 50            س = 60

ع = 70          ف = 80           ص = 90           ق = 100           ر = 200           ش = 300           ت = 400  

ث = 500            خ = 600            ذ = 700            ض = 800            ظ = 900            غ = 1000

وقد استقرَّت قواعد أساسية عامة تعدّ القانون في استخدام التاريخ الشعري وحلّ رموزه ، نوجزها فيما يلي ، متجاهلين الاستثناءات التي لا تكاد تخلو منها قاعدة في العربية .

1- تحسب الحروف حسب صورتها دون مراعاة للفظها في الغالب حسبما هو موضح أدناه :

- تاء التأنيث منقوطة أم غير منقوطة تحسب هاءً مثل فتاة ، مرآة .. إلخ .

- الألف المقصورة في مثل قولنا سلمى وغيرها تحسب ياء لا ألفاً .

- الحرف المشدّد ، أو الممدود لا ينظر فيه ولا يعتد به ويعامل كحرف واحد .

- همزة الوصل تحسب ألفا على الرغم من سقوطها لفظاً .

- الهمزة في جزء وجزاء وما شابهها لا تحسب أصلاً .

- الواو في أولئك لا تحسب .

- الواو في الصلوة تحسب واواً .

- الواو في عَمرو تحسب واواً .

2- ثم يبدأ عدّ الأحرف بعد كلمة أرَّخ مباشرة حسب القواعد التالية :

- الألف والواو المتصلتان بفعل « أرِّخو » وما شابهها تحسب مثل قول الشيخ مصطفى البكري الصديقي يوم ولد ابنه محمد كمال الدين :

ختام مسك قد حواه يفتدى            فأرّخـوا محمَّد ختام(1)

وهذا يعادل سنة 1140ﻫ ، أي أن العدد ابتدأ بعد حرف الخاء مباشرة .

- الضمائر المتَّصلة بالكلمة ، أعني كلمة أرَّخ لا تُحسب ويبدأ العدُّ بعدها مباشرةً ، وذلك في مثل قولهم أرِّخْهُ أن يؤرّخه ، يؤرخهما ، مؤرخين ، أرخنا .. إلخ .

- يحسب الضمير فقط إذا انفصل عن الكلمة مثل قولهم أرِّخنا به ، وأرِّخ له ، فكلمة به أو له تحسب .

- يجب أن يكون الكلام المقصود بالحساب في بيت واحد أو شطر بيت ، ولا يجوز أن يكون في أكثر من بيت واحد بحالٍ من الأحوال .

- يجب أن يكون للكلام المقصود ، أي الجامع للتاريخ ، معنىً له تعلُّقٌ واتصال بما قبله ، لا أن يكون حشواً لا معنى له ، وهنا تتجلى مقدرة الشعراء الحقيقية .

وقبل أن نورد نماذج من التأريخ الشّعري هذا نقول إن ثمة شواهد كثيرة تجزم بأنَّه لا يمكن حصر جميع القواعد الخاصَّة بهذا الفن ، لأن الأمر متروك للشاعر الذي يجوز له ما لا يجوز لغيره ، ولا سيما عندما يتنافس الشعراء أو ناظمو الشعر الذين لا يكاد منهم نادٍ أو مسجد أو مدرسة أو مؤلف أو خطيب أو تاجر في العصر العثماني .

نماذج من التاريخ الشعري :

  • قال ابن المبلّط في تاريخ جلوس السلطان العثماني سليم الثاني بن سليمان القانوني :

ودولة ملكٍ قلت فيها مؤرِّخاً            سليمٌ تولّى الملكَ بعد سُليمان(2)

 974 ﻫ                140 – 446 – 121 – 76 – 191

وقد وفق الشاعر في ذلك لأن ما ذكره جاء مستوفياً كافَّة الشروط .

  • وقال الشهاب العمادي في وفاة الشيخ محمد المحبي(3) :

مات المحبي شيخي            وكان نعم المحب

فقلت يا صاح أرِّخ                بالشام قد مات قطبُ

سنة 1030ﻫ

  • وقال القاضي إبراهيم الغزالي في رثاء الشيخ محمد البطنيني المحدث :

عِلمُ الحديث فنُّه           لداك زانَ سردُهُ

مات فقلتُ أرّخوا          مات الحديث بعده(4)

سنة 1075ﻫ

  • وكُتب على حمام « الرّاس » الذي كان في مدخل سوق السُّروجية ، والذي بناه لالا مصطفى باشا سنة 971 :

نادتْ طرباً وأرَّختْ مُنْشِدةً             حمَّامك أصل راحة الأجسامِ(5)

سنة 971ﻫ

  • ونظم الشيخ عبد الغني النابلسي تاريخاً شعرياً جاء فيه :

مات في الشام حاكمٌ             قدره في الورى كبير

جاء تاريخنا لهُ                 بيت شعر له قصير 

رحم الله محبَّنا                يوسفُ باش الوزير

248 – 66 – 101             156 – 303 – 254(6)

سنة 1128ﻫ

  • وقال مصحح كتاب « تاج العروس » مؤرِّخاً طبعه :

وغدتْ جواهره تؤرِّخ طبعه            تاج العروس لحليه باهي الدّرر

 1307ﻫ                                404 367 83 18 435

وثمة أمثلة كثيرة لا حصر لها يمكن مراجعتها في مظانّها(7) .

________________________

(1) سلك الدرر للمرادي 4/193 .

(2) دائرة المعارف البستاني 6/19 .

(3) خلاصة الأثر 4/232 .

(4) المصدر السابق 4/265 .

(5) الكواكب السائرة 3/207 .

(6) سلك الدرر 4/265 .

(7) علم التعمية/180 وما بعد ( انظر فهرس المصادر ) فيه تفصيلات وافية عن التاريخ الشعري .