مـقـدمـة
فإن الباعث لنشر هذه الرسالة هو النصح والتذكير بفريضة
الزكاة ، التي تساهل بها الكثير من المسلمين فلم يخرجوها على
الوجه المشروع مع عِظم شأنها ، وكونها أحد أركان الإسلام الخمسة
التي لا يستقيم بناؤه إلا عليها ، لقول النبي صلّى الله عليه
وسلم : " بُني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله
وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم
رمضان ، وحج البيت " متفق على صحته 0
وفرض الزكاة على المسلمين من أظهر محاسن الإسلام ورعايته
لشئون معتنقيه ، لكثرة فوائدها ، ومسيس حاجة فقراء المسلمين
إليها .
العودة للفهرس
نصـاب الزكـاة
والزكاة تجب في أربعة أصناف : الخارج من الأرض من الحبوب
والثمار ، والسائمة من بهيمة الأنعام ، والذهب والفضة ، وعروض
التجارة 0
ولكل من الأصناف الأربعة نصاب محدود لا تجب الزكاة فيما
دونه 0
-
فنصاب الحبوب والثمار : خمسة أوسق ، والوسق
: ستون صاعاً بصاع النبي صلّى الله عليه وسلم ، فيكون
مقدار النصاب بصاع النبي صلّى الله عليه وسلم من التمر
والزبيب والحنطة والأرز والشعير ونحوها : ثلاثمائة صاع
بصاع النبي صلّى الله عليه وسلم، وهو أربع حفنات بيدي
الرجل المعتدل الخلقة إذا كانت يداه مملوءتين0 والواجب
في ذلك العشر إذا كانت النخيل والزروع تسقى بلا كلفة ،
كالأمطار ، والأنهار ، والعيون الجارية ، ونحو ذلك 0 أما
إذا كانت تسقى بمؤونة وكلفة ، كالسواني والمكائن الرافعة
للماء ونحو ذلك ، فإن الواجب فيها نصف العشر ، كما صح
الحديث بذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم 0
-
وأما نصاب السائمة من الإبل والبقر والغنم :
ففيه تفصيل مبين في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلّى
الله عليه وسلم ، وفي استطاعة الراغب في معرفته سؤال أهل
العلم عن ذلك ، ولولا قصد الإيجاز لذكرناه لتمام الفائدة
0
-
وأما نصاب الفضة : فمائة وأربعون مثقالاً ،
ومقداره بالدراهم العربية السعودية : ستة وخمسون ريالاً
0
-
ونصاب الذهب : عشرون مثقالاً ، ومقداره من الجنيهات
السعودية : أحد عشر جنيها وثلاثة أسباع الجنيه ، وبالغرام
اثنان وتسعون غراماً 0 والواجب فيهما ربع العشر على من
ملك نصاباً منهما أو من أحدهما وحال عليه الحول 0 والربح
تابع للأصل ، فلا يحتاج إلى حول جديد ، كما أن نتاج السائمة
تابع لأصله فلا يحتاج إلى حول جديد إذا كان أصله نصاباً
0
-
وفي حكم الذهب والفضة الأوراق النقدية التي يتعامل
بها الناس اليوم ، سواء سميت درهماً أو ديناراً أو
دولاراً ، أو غير ذلك من الأسماء ، إذا بلغت قيمتها نصاب
الفضة أو الذهب وحال عليها الحول وجبت فيها الزكاة 0
-
ويلتحق بالنقود حُليُّ النساء من الذهب أو الفضة
، خاصة إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول فإن فيها الزكاة
، وإن كانت معدة للاستعمال أو العارية في أصح قولي
العلماء ، لعموم قول النبي صلّى الله عليه وسلم : " ما
من صاحب ذهب أو فضة لا يؤدي زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة
صفحت له صفائح من نار " 00 إلى آخر الحديث المتقدم 0 ولما
ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه رأى بيد امرأة سوارين
من ذهب ، فقال: " أتعطين زكاة هذا ؟ " قالت : لا ، قال
: " أيسُرك أن يُسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من
نار ؟ " فألقتهما ، وقالت : هما لله ولرسوله 0 أخرجه أبو
داود، والنسائي ، بسند حسن 0 وثبت عن أم سلمة رضي الله
عنها ، أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب ، فقالت : يارسول
الله ، أكنز هو ؟ فقال صلّى الله عليه وسلم " ما بلغ أن
يُزكّى فزكي فليس بكنز " ، مع أحاديث أخرى في هذا المعنى
0
-
أما عروض التجارة :
وهي كل ما أٌعد للتجارة من عقارات وسيارات ومواشي
وأقمشة وغيرها من أصناف المال ، فإنها تقوّم
في آخر العام ، ويخرج ربع عشــــر قيمتها ، سواءً كانت
قيمتها مثل ثمنها أو أكثر أو أقل ، لحديث سمرة قال : (
" كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة
من الذي نعده للبيع " ) رواه أبو داود 0 ويدخل في ذلك
: الأراضي المعدة للبيع ، والعمارات ، والسيارات والمكائن
الرافعة للماء ، وغير ذلك من أصناف السلع المعدة للبيع
0
-
أما العمارات المعدة للإيجار لا للبيع ، فالزكاة
في أجورها إذا حال عليها الحول ، أما ذاتها فليس فيها
زكاة، لكونها لم تُعد للبيع ، وهكذا السيارات الخصوصية
والأٌجرة ليس فيها زكاة إذا كانت لم تُعد للبيع ، وإنما
اشتراها صاحبها للاستعمال 0
-
وإذا اجتمع لصاحب سيارة الأجرة أو غيره نقود تبلغ
النصاب فعليه زكاتها ، إذا حال عليها الحول ، سواءً
كان أعدها للنفقة ، أو للتزوج ، أو لشراء عقار ، أو لقضاء
دين ، أو غير ذلك من المقاصد ، لعموم الأدلة الشرعية الدالة
على وجوب الزكاة في مثل هذا 0
والصحيح من أقوال العلماء : أن الدين لا يمنع الزكاة
لما تقدم 0 وهكذا أموال اليتامى والمجانين تجب فيها الزكاة
عند جمهور العلماء إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول ،
ويجب على أوليائهم إخراجها بالنية عنهم عند تمام الحول ، لعموم
الأدلة ، مثل قول النبي صلّى الله عليه وسلم في حديث معاذ
لما بعث إلى أهل اليمن : " إن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم
، تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم " 0
والزكاة حق الله لا تجوز المحاباة بها لمن لا يستحقها
، ولا أن يجلب الإنسان بها لنفسه نفعاً أو يدفع ضراً ،
ولا أن يقي بها ماله أو يدفع بها عنه مذمة ، بل يجب على المسلم
صرف زكاته لمستحقيها ، لكونهم من أهلها ، لا لغرض آخر ، مع
طيب النفس بها ، والإخلاص لله في ذلك ، حتى تبرأ ذمته ويستحق
جزيل المثوبة والخلف0
العودة للفهرس
أهـل الزكـاة
أهل الزكاة هم الجهات التي تصرف إليها الزكاة ، وقد
تولى الله تعالى بيانها بنفسه فقال تعالى :
( إنما الصدقات للفقراء والمساكين
والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي
سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليــــــم حكيم
) [ التوبة : 60 ] 0
-
الصنف الأول : الفقراء وهم
الذين لا يجدون من كفايتهم إلا شيئا قليلاً دون النصف
، فإذا كان الإنسان لا يجد ما ينفق على نفسه وعائلته نصف
سنة فهو فقير فيعطى ما يكفيه وعائلته سنة 0
-
الصنف الثاني : المساكين
وهم الذين يجدون من كفايتهم النصف فأكثر ولكن لا يجدون
ما يكفيهم سنة كاملة فيكمل لهم نفقة السنة 00 وإذا كان
الرجل ليس عنده نقود ولكن عنده مورد آخر من حرفة أو راتب
أو استغلال يقوم بكفايته فإنه لا يعطى من الزكاة لقول
النبي صلّى الله عليه وسلم : " لا حظ فيها لغني ولا لقوي
مكتسب " 0
-
الصنف الثالث : العاملون
عليها وهم الذين يوكلهم الحاكم العام للدولة بجبايتها
من أهلها ، وتصريفها إلى مستحقيها ، وحفظها ، ونحو ذلك
من الولاية عليها ، فيعطون من الزكاة بقدر عملهم وإن كانوا
أغنياء 0
-
الصنف الرابع : المؤلفة
قلوبهم وهم رؤساء العشائر الذين ليس في إيمانهم قوة ،
فيعطون من الزكاة ليقوى إيمانهم ، فيكونوا دعاة للإسلام
وقدوة صالحة ، وإن كان الإنسان ضعيف الإسلام ولكنه ليس
من الرؤساء المطاعين بل هو من عامة الناس ، فهل يعطى من
الزكاة ليقوى إيمانه ؟ يرى بعض العلماء أنه يُعطى لأن
مصلحة الدين أعظم من مصلحة البدن ، وها هو إذا كان فقيراً
يعطى لغذاء بدنه ، فغذاء قلبه بالإيمان أشد وأعظـم نفعاً
، ويرى بعض العلماء أنه لا يعطى لأن المصلحة من قوة إيمانه
مصلحة فردية خاصة به0
-
الصنف الخامس : الرقاب ويدخل
فيها شراء الرقيق من الزكاة وإعتاقه ، ومعاونة المكاتبين
وفك الأسرى من المسلمين 0
-
الصنف السادس : الغارمون
وهم المدينون إذا لم يكن لهم ما يمكن أن يوفوا منه ديونهم
، فهؤلاء يعطون ما يوفون به ديونهم قليلة كانت أم كثيرة
000 وإن كانوا أغنياء من جهة القوت ، فإذا قدر أن هناك
رجلاً له مورد يكفي لقوته وقوت عائلته ، إلا أن عليه ديناً
لا يستطيع وفاءه ، فإنه يُعطى من الزكاة ما يوفي به دينه
، ولا يجوز أن يسقط الدين عن مدينه الفقير وينويه من الزكاة
0 واختلف العلماء فيما إذا كان المدين والداً أو ولداً
، فهل يعطى من الزكاة لوفاء دينه؟ والصحيح الجواز 0 ويجوز
لصاحب الزكاة أن يذهب إلى صاحب الحق ويعطيه حقه وإن لم
يعلم المدين بذلك ، إذا كان صاحب الزكاة يعرف أن المدين
لا يستطيع الوفاء 0
-
الصنف السابع : في سبيل
الله وهو الجهاد في سبيل الله فيعطى المجاهدون من الزكاة
ما يكفيهم لجهادهم ، ويشترى من الزكاة آلات للجهاد في
سبيل الله 0 ومن سبيل الله : العلمٌ الشرعي ، فيعطى طالب
العلم الشرعي ما يتمكن به من طلب العلم من الكتب وغيرها
، إلا أن يكون له مال يمكنه من تحصيل ذلك به 0
-
الصنف الثامن : ابن السبيل
وهو المسافر الذي انقطع به السفر فيعطى من الزكاة ما يوصله
لبلده0
العودة للفهرس
فـوائــد الـزكــاة
فمن فوائدها الدينية :
1- أنها قيام بركن من أركان الإسلام الذي عليه مدار سعادة
العبد في دنياه وأٌخراه 0
2- أنها تُقرب العبد إلى ربه وتزيد في إيمانه ، شأنها في
ذلك شأن جميع الطاعات 0
3- ما يترتب على أدائها من الأجر العظيم ، قال الله تعالى
: ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات
) [ سورة البقرة : 276 ] وقال تعالى
: ( وما ءاتيتم من ربا ليربوا في
أموال الناس فلا يربوا عند الله وما ءاتيتم من زكاة تريدون
وجه الله فأولئك هم المضعفون )
[ الروم :39 ] 0 وقال النبي صلّى الله عليه وسلم " من تصدق
بعدل تمرة - أي ما يعادل تمرة - من كسب طيب ، ولا يقبل الله
إلا الطيب ، فإن الله يأخذها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كما
يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل " رواه البخاري ومسلم
0
4- أن الله يمحو بها الخطايا كما قال النبي صلّى الله عليه
وسلم " والصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار " والمراد
بالصدقة هنا : الزكاة وصدقة التطوع جميعاً
ومن فوائدها الخُلقية:
1- أنها تلحق المزكي بركب الكرماء ذوي السماحة والسخاء
2- أن الزكاة تستوجب اتصاف المزكي بالرحمة والعطف على إخوانه
المعدمين ، والراحمون يرحمهم الله
3- أنه من المشاهد أن بذل النفس المالي والبدني للمسلمين
يشرح الصدر ويبسط النفس ويوجب أن يكون الإنسان محبوباً بحسب
ما يبذل من النفع لإخوانه
4- إن في الزكاة تطهيراً لأخلاق باذلها من البخل والشح
كما قال تعالى : ( خذ من أموالهم
صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) [ التوبة
: 103 ]
ومن فوائدها الاجتماعية :
1- أن فيها دفعاً لحاجة الفقراء الذين هم السواد الأعظم
في غالب البلاد 0
2- أن في الزكاة تقوية للمسلمين ورفعاً من شأنهم ، ولذلك
كان أحد جهات الزكاة الجهادُ في سبيل الله كما سنذكره إن شاء
الله تعالى 0
3- أن فيها إزالة للأحقاد والضغائن التي تكون في صدور الفقراء
والمعوزين ، فإن الفقراء إذا رأوا تمتع الأغنياء بالأموال
وعدم انتفاعهم بشيء منها ، لا بقليل ولا بكثير ، فربما يحملون
عداوة وحقداً على الأغنياء حيث لم يراعوا لهم حقوقاً ، ولم
يدفعوا لهم حاجة ، فإذا صرف الأغنياء لهم شيئاً من أموالهم
على رأس كل حول زالت هذه الأمور وحصلت المودة والوئام 0
4- أن فيها تنمية للأموال وتكثيراً لبركتها ، كما جاء في
الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال : " ما نقصت
صدقة من مال " 0 أي : إن نقصت الصدقة المال عدديا فإنها لن
تنقصه بركة وزيادة في المستقبل بل يخلف الله بدلها ويبارك
له في ماله 0
5- أن له فيها توسعة وبسطاً للأموال فإن الأموال إذا صرف
منها شيء اتسعت دائرتها وانتفع بها كثير من الناس ، بخلاف
إذا كانت دولة بين الأغنياء لا يحصل الفقراء على شيء منها
0
العودة للفهرس
خـاتـمـة
وقد جاء الوعيد الشديد في حق من بخل بها أو قصر في إخراجها
، قال الله تعالى : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا
ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها
في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم
لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) [ التوبة : 34، 35] 0 فكل
مال لا تُؤدَّى زكاته فهو كنز يعذب به صاحبه يوم القيامة ،
كما دل على ذلك الحديث الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلم
أنه قال : " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا إذا
كان يوم القيامة صُفحت له صفائح من نار فأٌحمي عليها في نار
جهنم ، فيُكوى بها جنبه وجبينه وظهره ، كلما بردت أٌعيدت له
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين العباد فيرى
سبيله ، إما إلى الجنة، وإما إلى النار " ثم ذكر النبي صلّى
الله عليه وسلم صاحب الإبل والبقر والغنم الذي لا يؤٌدي زكاتها،
وأخبر أنه يعذب بها يوم القيامة 0 وصح عن رسول الله صلّى الله
عليه وسلم أنه قال : " من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثل
له شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ، ثم يأخذ بلهزمتيه
- يعنى : شدقيه - ثم يقول : أنا مالك ، أنا كنزك " ، ثم تلا
النبي صلّىالله عليه وسلم قوله تعالى : ( ولا يحسبن الذين
يبخلون بما ءاتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شرٌ لهم
سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ) [ آل عمران : 180] 0
العودة للفهرس
|